أماني أبو عيسى تكتب: حينما يفرط الصحفي في كرامته.. رسالة إلى من يرضون بالإهانة | تقارير وملفات – وكالة يمن للأنباء

في مشهد يعكس تناقضًا صارخًا بين الدور المحوري الذي يؤديه الصحفي في تسليط الضوء على الفعاليات وبين الطريقة التي يُعامل بها في بعض الأحداث، يتجلى التساؤل الأهم: من يحمي كرامة الصحفي إذا كان هو نفسه يقبل التنازل عنها؟

قبل أيام، وفي حدث فني بارز، وقف الصحفيون والمصورون على أقدامهم لساعات طويلة، يتحملون المشقة لنقل الحدث إلى الجمهور، ورغم دورهم المحوري في إبراز العمل الفني وصانعيه، فوجئوا بمعاملة سيئة وتجاهل صارخ لدورهم من قِبل المنظمين، الأسوأ من ذلك، أن تلك المعاملة لم تقتصر على قلة احترام، بل بلغت حد الإهانة والطرد.

التجربة المؤسفة لتنظيم سيئ

أثناء الحدث، دار نقاش بين مصورين محترفين ومسؤولة تنظيم حول كيفية التصوير داخل القاعة بعدما طلب منهم الدخول للتصوير، وبحجة “السيطرة” على الوضع، قررت الأخيرة طرد المصورين بعدما اعترضوا، وأجبرتهم على الانتظار خارج القاعة لساعات على السجادة الحمراء كعقاب لهم على إبداء وجهة نظرهم في عملهم اللذين هم أدرى به، أما من بقوا داخل القاعة من الصحفيين، فكانوا يُعامَلون كأدوات تُنقل من مكان إلى آخر دون أي اعتبار لكرامتهم أو مهنيتهم.

المثير للاستغراب أن هؤلاء الصحفيين والمصورين ارتضوا الإهانة واستسلموا للأمر الواقع، ومع كل ما حدث، كان هناك صحفي واحد قد انتفض لكرامته، وكرامة زملائه، معترضًا على الطريقة التي يتم بها التعامل معهم، كان صوته قويًا، يصرخ احتجاجًا على هذا التهميش والإهانة، معبرًا عن استيائه من تقليل شأن الصحفيين، لكن ما جعل الموقف أكثر إيلامًا هو أنه رغم اعتراضه، اختار في النهاية أن يظل داخل القاعة، راضيًا بالأمر الواقع، وقبل بأن يستمر في المعاملة المهينة.


لماذا هذا التخاذل؟

الصحافة ليست مجرد مهنة؛ إنها رسالة، وحامل الرسالة يجب أن يتمسك بكرامته أولًا ليتمكن من أداء مهمته باحترافية واحترام، عندما يقبل الصحفي أن يُهان أو يُهدر حقه دون اتخاذ موقف حاسم، فإنه يرسل رسالة واضحة بأن الجميع يمكن أن يتجاوز حدوده معه.

لكن السؤال الحقيقي هو: لماذا استسلم الصحفيون؟ ما الذي يجعل صحفيًا يرضى بأن تجرح كرامته؟ هل لأن المؤسسات التي يعملون لديها لا توفر لهم الحماية الكافية؟ أم بسبب الخوف من فقدان فرصة العمل؟ أم لأن نقابة الصحفيين، التي من المفترض أن تكون الدرع الحامي لهم، غائبة عن المشهد؟ أم أن هناك خوفًا من فقدان الفرص المهنية، مما يدفعهم إلى الصمت على الإهانة؟، لماذا لم يغادر الصحفيون الحدث فورًا، ويرسلوا رسالة قوية للمنظمين؟ مغادرتهم كانت لتكون بمثابة انتفاضة ضد أي شخص يقلل من قيمتهم، رسالة مفادها أن الصحافة ليست مجرد مهنة، بل هي رسالة لا يمكن التفريط في احترامها

المطلوب: موقف حاسم يعيد الاعتبار للمهنة

كرامة الصحفي يجب أن تكون خطًا أحمر، على المؤسسات الإعلامية أن تدعم موظفيها وتضع معايير واضحة لكيفية التعامل معهم خلال التغطيات، ويجب على نقابة الصحفيين أن تتحرك بقوة، ليس فقط لفرض قواعد للتعامل مع الصحفيين، بل أيضًا لتوعية العاملين في المهنة بحقوقهم وضرورة الدفاع عنها.

أما الصحفي نفسه، فعليه أن يدرك أن قبوله للإهانة مرة يجعلها قاعدة يمكن تكرارها، القوة الحقيقية تكمن في التمسك بالكرامة واتخاذ موقف جماعي عندما يتم تجاوز الخطوط، فلو انسحب جميع الصحفيين من الحدث احتجاجًا على سوء المعاملة، لكان ذلك درسًا قاسيًا لمن يتجرأ على التقليل من قيمتهم.

الصحفي هو حامي كرامته

الصحافة ليست مهنة سهلة؛ هي مهنة تضحية وصوت للحق، لكنها أيضًا تتطلب احترامًا للذات ووقفة حازمة أمام أي استهانة، إذا لم يدافع الصحفي عن كرامته بنفسه، فلن يفعل أحد ذلك، المؤسسات الإعلامية والنقابات لها دور كبير، لكن الدور الأكبر يقع على عاتق الصحفيين أنفسهم.

عليهم أن يدركوا أن قبولهم بالإهانة مرة واحدة يفتح الباب لتكرارها مرات أخرى، اتخاذ موقف قوي وحاسم، حتى لو كان مكلفًا على المدى القصير، سيؤسس لثقافة جديدة تُجبر المنظمين على احترام الصحافة ودورها.

رسالة للمنظمين

احترام الصحفي لا يُعد تفضّلًا أو خيارًا، بل هو واجب أساسي، الصحفي هو الجسر بين الحدث والجمهور، وهو جزء لا يتجزأ من نجاح أي فعالية، تجاهله أو إهانته يعكس سوء إدارة وتنظيم، ويضر بسمعة الحدث أكثر مما يخدمه.

دعوة للتغيير

ما حدث يجب أن يكون نقطة انطلاق لحوار أوسع حول حقوق الصحفيين والإعلاميين في الفعاليات المختلفة، على النقابات أن تتحرك، وعلى المؤسسات الإعلامية أن تدعم موظفيها، وعلى الصحفيين أن يتحدوا في مواجهة أي محاولة للتقليل من شأنهم.

الكرامة لا تُمنح، بل تُنتزع، وإذا لم يحرص الصحفيون على الدفاع عن كرامتهم، فلن يحترمهم أحد.

close